فصل: القسم الخامس أن يكون حصل شيء منها أيضًا بطريق الإلهام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.القسم الرابع أن يكون قد حصل شيء منها أيضًا بما شاهده الناس من الحيوانات واقتدى بأفعالها وتشبه بها:

وذلك مثل ما ذكره الرازي في كتاب (الخواص) أن الخطاف إذا وقع بفراخه اليرقان، مضى فجاء بحجر اليرقان، وهو حجر أبيض صغير يعرفه، فجعله في عشه فيبرأوا، وأن الإنسان إذا أراد ذلك الحجر طلى فراخه بالزعفران، فيظن أنه قد أصابهم اليرقان، فيمضي فيجيء به فيؤخذ ذلك الحجر ويعلق على من به اليرقان، فينتفع به، وكذلك أيضًا شأن العقاب الأنثى، أنه إذا تعسر عليها بيضها وخروجه، وصعب حتى تبلغ الموت، ورأى ذكرها ذلك طار وأحضر حجرًا يعرف بالقلقل، لأنه إذا حرك تقلقل في داخله، فإذا كسر لم يوجد فيه شيء، وكل قطعة منه إذا حركت تقلقلت مثل صحيحه، وأكثر الناس تعرفه بحجر العقاب، ويضعه فيسهل على الأنثى بيضها، والناس يستعملونه في عسر الولادة على ما استنبطوه من العقاب، ومثل ذلك أيضًا أن الحيات إذا أظلمت أعينهن لكمونهن في الشتاء في ظلمة بطن الأرض، وخرجن من مكامنهن في وقت ما يدفأ الوقت طلبن نبات الرازيانج، وأمررن عيونهن عليه فيصلح ما بها، فلما رأى الناس ذلك وجربوه، وجدوا من خاصيته إذهاب ظلمة البصر إذا اكتحل بمائه، وذكر جالينوس في كتابه في الحقن عن أرودوطس، إن طائرًا يدعي أيبس هو الذي دل على علم الحقن، وزعم أن هذا الطير كثير الاغتذاء لا يترك شيئًا من اللحوم إلا أكله، فيحتبس بطنه لاجتماع الأخلاط الرديئة وكثرتها فيه، فإذا اشتد ذلك عليه توجه إلى البحر، فأخذ بمنقاره من ماء البحر ثم أدخله في دبره، فيخرج بذلك الماء الأخلاط المحتقنة في بطنه، ثم يعود إلى طعامه الذي عادته الاغتذاء به.

.القسم الخامس أن يكون حصل شيء منها أيضًا بطريق الإلهام:

كما هو لكثير من الحيوانات، فإنه يقال أن البازي إذا اشتكى جوفه عمد إلى طائر معروف يسميه اليونانيون ذريفوس، فيصيده ويأكل من كبده فيسكن وجعه على الحال، وكما تشاهد عليه أيضًا السنانير، فإنها في أوقات الربيع تأكل الحشيش، فإن عدمت الحشيش عدلت إلى خوص المكانس فتأكله، ومعلوم أن ذلك ليس مما كانت تغتذي به أولاً، وإنما دعاها إلى ذلك الإلهام لفعل ما جعله اللَّه تعالى سببًا لصحة أبدانها، ولا تزال كذلك إلى أن تحس بالصحة المأنوس إليها بالطبع، فتكف عن أكله، وكذلك أيضًا متى نالها أذى من بعض الحيوانات المؤذية ذات السموم وأكلت شيئًا منها فإنها تقصد إلى السيرج وإلى مواضع الزيت فتنال منه، ذلك يسكن عنها سورة ما تجده، ويحكى أن الدواب إذا أكلت الدفلي في ربيعها أضر ذلك بها، فتسارع إلى حشيشة هي بادزهرللدفلى فترتعيها، ويكون بها برؤها، ومما يحقق ذلك حالة جرت من قريب، وهي أن بهاء الدين بن نفادة الكاتب حكى أنه لما كان متوجهًا إلى الكرك كان في طريقه بالطليل وهي منزلة كثيرة نبات الدفلى، فنزل هو وآخر في مكان منها وإلى جانبهم هذا النبات، فربط الغلمان دوابهم هنالك؛ وجعلت الدواب ترعى ما يقرب منها وأكلت من الدفلى، فأمّا دوابّه فإن غلمانه غفلوا عنها فسابت ورعت من مواضع متفرقة، وأما دواب الآخر فإنها بقيت في موضعها لم تقدر على التنقل منه، ولما أصبحوا وجدت دوابه في عافية ودواب الآخرين قد ماتت بأسرها في ذلك الموضع، وحكى ديسقوريدس في كتابه أن المعزى البرية بإقريطش إذا رميت بالنبل وبقيت في أبدانها فإنها ترعى النبات الذي يقال له المشكطرامشير، وهو نوع من الفوتنج فيتساقط عنها ما رميت به، ولم يضرها شيء منه.
وحدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكرندي، أن اللقلق يعشش في أعلى القباب والمواضع المرتفعة، وأن له عدوًا من الطيور يتقصده أبداً، ويأتي إلى عشه ويكسر البيض الذي فيه، قال وإن ثم حشيشة من خاصيتها أن عدو اللقلق إذا شم رائحتها يغمى، فيأتي بها اللقلق إلى عشه ويجعلها تحت بيضه، فلا يقدر العدو عليها، وذكر أوحد الزمان في المعتبر أن القنفذ لبيته أبواب يسدها ويفتحها عند هبوب الرياح التي تؤذيه وتوافقه، وحكى أن إنسانًا رأى الحباري تقاتل الأفعى، وتنهزم عنها إلى بقلة تتناول منها، ثم تعود لقتالها، وإن هذا الإنسان عاينها فنهض إلى البقلة فقطعها عند اشتغال الحباري بالقتال، فعادت الحباري إلى منبتها ففقدتها وطافت عليها فلم تجدها فخرت ميتة، فقد كانت تتعالج بها، قال وابن عرس يستظهر في قتال الحية بأكل السَّذاب، والكلاب إذا دودت بطونها أكلت لسنبل وتقيأت واستطلقت، وإذا جرح اللقلق داوى جراحه بالصعتر الجبلي، والثور يفرق بين الحشائش المتشابهة في صورها، ويعرف ما يوافقه منها فيرعاه، وما لا يوافقه فيتركه، مع نهمه وكثرة أكله وبلادة ذهنه، ومثل هذا كثير، فإذا كانت الحيوانات التي لا عقول لها ألهمت مصالحها ومنافعها، كان الإنسان العاقل المميز المكلف، الذي هو أفضل الحيوان، أولى بذلك، وهذا أكبر حجة لمن يعتقد أن الطب إنما هو إلهام وهداية من اللَّه سبحانه لخلقه، وبالجملة فإنه قد يكون من هذا ومما وقع بالتجربة والاتفاق والمصادفة أكثر ما حصلوه من هذه الصناعة، ثم تكاثر ذلك بينهم وعضده القياس بحسب ما شاهدوه، وأدتهم إليه فطرتهم، فاجتمع لهم من جميع تلك الأجزاء التي حصلت لهم بهذه الطرق المتفننة المختلفة أشياء كثيرة، ثم إنهم تأملوا تلك الأشياء واستخرجوا عللها والمناسبات التي بينها، فتحصّل لهم من ذلك قوانين كلية ومبادئ منها يبتدأ بالتعلم والتعليم، وإلى ما أدركوه منها أولًا ينتهي، فعند الكمال يتدرج في التعليم من الكليات إلى الجزئيات، وعند استنباطها يتدرج من الجزئيات إلى الكليات، وأقول أيضًا وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، أنه ليس يلزم أن يكون أول هذا مختصًا بموضع دون موضع، ولا يفرد به قوم دون آخرين إلا بحسب الأكثر والأقل، وبحسب تنوع المداواة، ولهذا فإن كل قوم هم مصطلحون على أدوية يألفونها ويتداوون بها، وأرى أنهم إنما اختلفوا في نسبة صناعة الطب إلى قوم بحسب ما قد كان يتجدد عند قوم فينسب إليهم، فإنه قد يمكن أن تكون صناعة الطب في أمة أو في بقعة من الأرض، فتدثر وتبيد بأسباب سماوية أو أرضية، كالطواعين المفنية والقحوط المجلية، والحروب المبيدة، والملوك المتغلبة، والسير المخالفة، فإذا انقرضت في أمة ونشأت في أمة أخرى، وتطاول الزمان عليها نسي ما تقدم، وصارت الصناعة تنسب إلى الأمة الثانية دون الأولى، ويعتبر أولها بالقياس إليهم فقط، فيقال لها مذ ظهرت كذا وكذا وإنما يعني في الحقيقة مذ ظهرت في هذه الأمة خاصة، وهذا مما لا يبعد فإنه على ما تواترت به الآثار وخصو صًا ما حكاه جالينوس وغيره، أن أبقراط لما رأى صناعة الطب قد كادت أن تبيد، وأنه قد درست معالمها عن آل اسقليبيوس، الذين ابقراط منهم، تداركها بأن أظهرها وبثها في الغرباء، وقواها ونشرها وشهرها بأن أثبتها بالكتب، فلهذا يقال أيضًا على ما ذهب إليه كثير من الناس، أن أبقراط أول من وضع صناعة الطب وأول من دونها وليس الحق، على ما تواترت به الآثار، إلا أنه أول من دونها من آل اسقليبيوس لتعليم كل من يصلح لتعلمها من الناس كافة، ومثله سلك الأطباء من بعده واستمر إلى الآن، واسقليبيوس الأول هو أول من تكلم في شيء من الطب على ما سيأتي ذكره.

.الباب الثاني: طبقات الأطبَّاء الذين ظهرت لهم أجزاء من صناعة الطِّب وكانوا المبتدئين بها:

.اسقليبيوس:

قد اتفق كثير من قدماء الفلاسفة والمتطببين على أن اسقليبيوس، كما أشرنا إليه أولاً، هو أولمن ذكر من الأطباء وأول من تكلم في شيء من الطب على طريق التجربة، وكان يونانياً، واليونان منسوبون إلى يونان، وهي جزيرة كانت الحكماء من الروم ينزلونها، وقال أبو معشر في المقالة الثانية من كتاب الألوف أن بلدة من المغرب كانت تسمى في قديم الدهر أرغس، وكان أهلها يسمون أرغيوا، وسميت المدينة بعد ذلك أيونيا، وسموا أهلها يونانيين باسم بلدهم، وكان ملكها أحد ملوك الطوائف، ويقال أن أول من اجتمع له ملك مدينة أيونيا من ملوك اليونانيين كان اسمه أيليوس، وكان لقبه دقطاطر، ملكهم ثماني عشر سنة، ووضع لليونانيين سننًا كثيرة مستعلمة عندهم، وقال الشيخ الجليل أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي في تعاليقه أن اسقليبيوس بن زيوس، قالوا مولده روحاني، وهو إمام الطب، وأبو أكثر الفلاسفة؛ قال وأقليدس ينسب إليه، وأفلاطون وأرسطوطاليس وبقراط وأكثر اليونانية؛ قال وبقراط كان السادس عشر من أولاده، يعني البطن السادس عشر من أولاده؛ وقال سولون أخو أسقليبيوس، وهو أبو واضع النواميس، أقول وترجمة اسقليبيوس بالعربي منع اليبس، وقيل أن أصل هذا الاسم في لسان اليونانيين مشتق من البهاء والنور، وكان اسقليبيوس، على ما وجد في أخبار الجبابرة بالسريانية، ذكي الطبع، قوي الفهم، حريصًا مجتهدًا في علم صناعة الطب، واتفقت له اتفاقات حميدة معينة على التمهر في هذه الصناعة، وانكشفت له أمور عجيبة من أحوال العلاج بإلهام من اللَّه عز وجل، وحكي أنه وجد علم الطب في هيكل كان لهم برومية، يعرف بهيكل ابلن وهو للشمس، ويقال أن اسقليبيوس هو الذي أوضع هذا الهيكل ويعرف بهيكل اسقليبيوس، ومما يحقق ذلك أن جالينوس قال في كتابه في فينكس أن اللَّه عز اسمه لما خلصني من دبيلة قتالة كانت عرضت لي، حججت إلى بيته المسمى بهيكل اسقليبيوس، وقال جالينوس في كتابه حيلة البرء في صدر الكتاب مما يجب أن يحقق الطب عند العامة ما يرونه من الطب الإلهي في هيكل اسقليبيوس، على ما حكاه هروسيس صاحب القصص، بيت كان بمدينة رومية كانت فيه صورة تكلمهم عندما يسألونها، وكان المستنبط لها في القديم اسقليبيوس، وزعم مجوس رومية أن تلك الصورة كانت منصوبة على حركات نجومية، وأنه كان فيها روحانية كوكب من الكواكب السبعة، وكان دين النصرانية في رومية قبل عبادة النجوم، كذا حكى هروسيس، وذكر جالينوس أيضًا في مواضع كثيرة، أن طب أسقليبيوس كان طبًا إلهياً، وقال أن قياس الطب الإلهي إلى طبنا قياس طبنا إلى طب الطرقات، وذكر أيضًا في حق اسقليبيوس في كتابه الذي ألفه في الحث على تعلم صناعة الطب أن اللَّه تعالى أوحى إلى أسقليبيوس أني إلى أن أسميك ملكًا أقرب منك إلى أن أسميك إنسانًا وقال أبقراط إن اللَّه تعالى رفعه إليه في الهواء في عمود من نور، وقال غيره إن اسقليبيوس كان معظمًا عند اليونانيين، وكانوا يستشفون بقبره، ويقال أنه كان يسرج على قبره كل ليلة ألف قنديل، وكان الملوك؛ من نسله تدّعي له النبوة، وذكر أفلاطون في كتابه المعروف بالنواميس عن اسقليبيوس أشياء عدة من أخباره بمغيبات، وحكايات عجيبة ظهرت عنه بتأييد ألهي، وشاهدها الناس كما قاله وأخبر به، وقال في المقالة الثالثة من كتاب السياسة أن أسقليبيوس كان هو وأولاده عالمين بالسياسة، وكان أولاده جندًا فرهة وكانوا عالمين بالطب، وقال إن أسقليبيوس كان يرى أن من كان به مرض يبرأ منه عالجه، ومن كان مرضه قاتلًا لم يطل حياته التي لا تنفعه ولا تنفع غيره، أي يترك علاجه له.
وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم إن أسقليبيوس هذا كان تلميذ هرمس، وكان يسافر معه، فلما خرجا من بلاد الهند وجاءا إلى فارس، خلفه ببابل ليضبط الشرع فيهم، قال وأما هرمس هذا فهو هرمس الأول، ولفظه أرمس، وهو اسم عطارد، ويسمى عند اليونانيين أطرسمين، وعند العرب أدريس، وعند العبرانيين أخنوخ، وهو ابن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهم السلام، ومولده بمصر في مدينة منف منها، قال وكانت مدته على الأرض اثنتين وثمانين سنة، وقال غيره ثلاثمائة وخمسًا وستين سنة، قال المبشر ابن فاتك وكان عليه السلام رجلًا آدم اللون، تام القامة، اجلح، حسن الوجه، كث اللحية، مليح التخاطيط، تام الباع، عريض المنكبين، ضخم العظام، قليل اللحم، براق العين أكحل، متأنيًا في كلامه، كثير الصمت، ساكن الأعضاء، إذا مشى أكثر نظره إلى الأرض، كثير الفكرة، به حدة وعبسة، يحرك إذا تكلم سبابته.
وقال غيره إن اسقليبيوس كان قبل الطوفان الكبير، وهو تلميذ أغاثوذيمون المصري، وكان أغاثوذيمون أحد أنبياء اليونانيين والمصريين، وتفسير أغاثوذيمون السعيد الجد، وكان اسقليبيوس هذا هو البادئ بصناعة الطب في اليونانيين، علمها بنيه وحذر عليهم أن يعلموها الغرباء.
وأما أبو معشر البلخي المنجم فإنه ذكر في كتاب الألوف أن اسقليبيوس هذا لم يكن بالمتأله الأول في صناعة الطب ولا بالمبتدئ بها، بل أنه عن غيره أخذ، وعلى نهج من سبقه سلك، وذكر أنه كان تلميذ هرمس المصري، وقال إن الهرامسة كانوا ثلاثة أما هرمس الأول وهو المثلث بالنعم فإنه كان قبل الطوفان، ومعنى هرمس لقب كما يقال قيصر وكسرى، وتسميه الفرس في سيرها اللهجد، وتفسيره ذو عدل، وهو الذي تذكر الحرّانية نبوته؛ وتذكر الفرس أن جده كيومرث وهو آدم، ويذكر العبرانيون أنه اخنوخ وهو بالعربية أدريس.
قال أبو معشر هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية، وإن جده كيومرث وهو آدم علمه ساعات الليل والنهار، وهو أول من بنى الهياكل ومجد اللَّه فيها؛ وأول من نظر في الطب وتكلم فيه، وأنه ألف لأهل زمانه كتبًا كثيرة بأشعار موزونة وقواف معلومة بلغة أهل زمانه في معرفة الأشياء الأرضية والعلوية، وهو أول من أنذر بالطوفان، ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار، وكان مسكنه صعيد مصر، تخير ذلك فبنى هناك الأهرام ومدائن التراب، وخاف ذهاب العلم بالطوفان فبنى البرابي وهو الجبل المعروف بالبرابر بأخميم وصور فيها جميع الصناعات وصنّاعها نقشًا وصور جميع آلات الصنّاع، وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده برسوم حرصًا منه على تخليد العلوم لمن بعده، وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم، وثبت في الأثر المروي عن السلف أن أدريس أول من درس الكتب، ونظر في العلوم، وأنزل اللَّه عليه ثلاثين صحيفة، وهو أول من خاط الثياب ولبسها ورفعه اللَّه مكانًا علياً.
وأما هرمس الثاني فإنه من أهل بابل، سكن مدينة الكلدانيين وهي بابل، وكان بعد الطوفان في زمن نزيربال الذي هو أول من بنى مدينة بابل بعد نمرود بن كوش، وكان بارعًا في علم الطب والفلسفة، وعارفًا بطبائع الأعداد، وكان تلميذه فيثاغورس الأرتماطيقي، وهرمس هذا جدد من علم الطب والفلسفة وعلم العدد ما كان قد دُرس بالطوفان ببابل، ومدينة الكلدانيين هذه مدينة الفلاسفة من أهل المشرق، وفلاسفتهم أول من حدد الحدود، ورتب القوانين.
وأما هرمس الثالث فإنه سكن مدينة مصر وكان بعد الطوفان، وهو صاحب كتاب الحيوانات ذوات السموم وكان طبيبًا فيلسوفًا وعالمًا بطبائع الأدوية القتالة والحيوانات المؤذية، وكان جوالًا في البلاد طوافًا بها، عالمًا بنُصبة المدائن وطبائعها وطبائع أهلها، وله كلام حسن في صناعة الكيمياء نفيس يتعلق منه إلى صناعات كثيرة، كالزجاج والخرز والغضار وما أشبه ذلك، وكان له تلميذ يعرف باسقليبيوس، وكان مسكنه بأرض الشام.